هل تتحكم بلاك روك في الاقتصاد العالمي؟
الأستاذ أشرف إبراهيم في الفيديو الذي تم نشره على قناة “المخبر الاقتصادي” تحليلاً معمقًا
حول شركة بلاك روك (BlackRock)، وكيف أصبحت واحدة من أقوى الكيانات الاقتصادية في العالم. يركز
المحتوى على دور الشركة في إدارة الأصول المالية، وتأثيرها الكبير على الأسواق
العالمية والسياسات الاقتصادية. بينما قد تكون أسماء مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس
معروفة للجميع كأغنى أشخاص في العالم، فإن اسم لاري فينك، المؤسس والمدير التنفيذي
لبلاك روك، ليس بنفس الشهرة. ومع ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي الذي يمتلكه لاري فينك
عبر شركته يتجاوز بكثير ثروات هؤلاء الأثرياء.
بلاك روك: أكبر مدير للأصول في
العالم
بلاك روك ليست مجرد شركة استثمارية تقليدية؛ بل هي أكبر مدير للأصول
في العالم. في يناير 2022، تجاوزت قيمة الأصول التي تديرها الشركة 10 تريليونات
دولار. هذا الرقم الهائل يجعلها تتفوق على ثروات أغنى الشخصيات في العالم مجتمعة.
على سبيل المثال، تبلغ ثروة إيلون ماسك حوالي 270 مليار دولار فقط، مما يعني أن
بلاك روك تدير أصولًا تعادل 40 ضعف ثروته.
علاوة
على ذلك، فإن القيمة الإجمالية للأصول التي تديرها بلاك روك تشكل أكثر من 10% من
الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي قدره البنك الدولي بـ 96 تريليون دولار في
عام 2021. هذه الأرقام تضع بلاك روك في مرتبة اقتصادية لا يمكن مقارنتها بأي شركة
أو شخصية أخرى.
كيف بدأت بلاك روك؟ قصة لاري
فينك وتأسيس الشركة
لاري
فينك، المدير التنفيذي لبلاك روك، ولد في ولاية كاليفورنيا عام 1952. بدأ حياته
المهنية في مجال العقارات، ثم انتقل إلى العمل في البنوك الاستثمارية. في عام
1986، تعرض لاري لأزمة كبيرة عندما خسر فجأة 100 مليون دولار بسبب انخفاض غير
متوقع في أسعار الفائدة. هذه الخسارة جعلته يتحول من “النجم المنتظر”
إلى شخص منبوذ في عالم المال والأعمال.
بعد
استقالته من شركة “فيرست بوست”، قرر لاري تأسيس شركة جديدة تعتمد على
التكنولوجيا الحديثة لإدارة المخاطر. في عام 1988، أسس بلاك روك بالتعاون مع
مجموعة من أصدقائه المتخصصين في إدارة الأصول والرهون العقارية. كانت استراتيجية
الشركة في البداية بسيطة: التركيز على الاستثمارات التي تولد دخلًا ثابتًا، مثل
السندات، بدلاً من التداول قصير الأجل.
منصة
“علاء الدين”: العمود الفقري للتكنولوجيا المالية
أحد أهم أسباب نجاح بلاك روك هو تطويرها لمنصة “علاء الدين” (Aladdin)، التي تعتبر اليوم
العمود الفقري للتكنولوجيا المالية في الشركة. تتكون المنصة من 5000 جهاز كمبيوتر
فائق القدرة، تقوم بجمع البيانات من جميع الأسواق العالمية وتحليلها باستخدام تقنيات
التعلم الآلي.
تعمل
المنصة على تنفيذ 2550 صفقة يومية بدقة عالية خلال أجزاء من الثانية. بفضل هذه
التقنية، أصبحت بلاك روك لا تدير فقط أصولها الخاصة، بل تقدم خدماتها أيضًا لمديري
الأصول الآخرين في وول ستريت. اليوم، يتم استخدام منصة “علاء الدين”
لإدارة أصول تقدر قيمتها بـ 22 تريليون دولار، وهو ما يعادل حوالي ربع الناتج
المحلي الإجمالي العالمي.
الاستحواذات الكبرى: بناء
الإمبراطورية
لعبت الاستحواذات دورًا كبيرًا في نمو بلاك روك. أحد أهم الاستحواذات
كان في عام 2006، عندما استحوذت الشركة على الأصول الاستثمارية لشركة “ميريل
لينش” مقابل 9.7 مليار دولار. هذه الصفقة رفعت قيمة الأصول التي تديرها بلاك
روك إلى تريليون دولار.
في
عام 2009، أبرمت بلاك روك صفقة القرن في وول ستريت باستحواذها على “باركليز
جلوبال إنفستورز”، الذراع الاستثماري لبنك باركليز البريطاني، مقابل 13.5
مليار دولار. هذه الصفقة جعلت بلاك روك تمتلك “آي شيرز” (iShares)، التي تعد اليوم المصدر
الرئيسي لصناديق المؤشرات في العالم.
الأزمات
المالية: الفرص الذهبية
استفادت بلاك روك بشكل كبير من الأزمات المالية الكبرى، مثل انهيار
“دوت كوم” وأزمة الرهن العقاري في 2008. خلال هذه الأزمات، لجأت
الحكومات والبنوك المركزية إلى بلاك روك ومنصة “علاء الدين” لاتخاذ
قرارات استثمارية استراتيجية.
على
سبيل المثال، في أعقاب الأزمة المالية العالمية 2008، تم تخصيص 2 تريليون دولار
لدعم الشركات والبنوك. قامت بلاك روك بإدارة هذه الأموال وحققت أرباحًا كبيرة
منها. كما لعبت دورًا محوريًا في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا في عام 2020،
حيث اختارها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لإدارة برنامج طارئ لشراء الأصول.
نفوذ
بلاك روك على السياسات الاقتصادية
لم تعد بلاك روك مجرد مدير أصول للشركات الكبرى؛ بل أصبحت مستشارًا
رئيسيًا للحكومات والهيئات الدولية. يظهر ذلك في العلاقات الوثيقة بين لاري فينك
ومديري صندوق النقد الدولي ورؤساء الدول الكبرى مثل إيمانويل ماكرون.
في
الولايات المتحدة، تعتمد الإدارة الأمريكية بشكل كبير على المسؤولين السابقين في
بلاك روك لتولي المناصب الاقتصادية الحساسة. على سبيل المثال، يعمل براين ديس،
المدير التنفيذي السابق للاستثمار في بلاك روك، كمستشار اقتصادي للرئيس جو بايدن.
كما أن العديد من المستشارين الاقتصاديين الحاليين في البيت الأبيض كانوا موظفين
سابقين في بلاك روك.
هل
بلاك روك حكومة ظل؟
تتردد كثيرًا فكرة أن بلاك روك هي “حكومة ظل” تسيطر على
الاقتصاد العالمي من وراء الكواليس. هذه النظرية تستند إلى حقيقة أن بلاك روك
تمتلك حصصًا كبيرة في معظم الشركات العملاقة في مختلف القطاعات، بما في ذلك
التكنولوجيا والنفط والإعلام. ومع ذلك، فإن هذه الحصص ليست ملكًا مباشرًا للشركة،
بل هي مملوكة للمستثمرين الذين تعتمد عليهم بلاك روك لإدارة أصولهم.
علاوة
على ذلك، فإن القوة الحقيقية لبلاك روك تأتي من حقوق التصويت التي تمتلكها نيابة
عن عملائها، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا على مجالس إدارات الشركات الكبرى. وعلى
الرغم من ذلك، فإن وصف بلاك روك بأنها “حكومة ظل” قد يكون مبالغًا فيه،
حيث تعمل الشركة ضمن إطار النظام المالي التقليدي.
خاتمة:
هل بلاك روك تسيطر على العالم؟
يطرح
الأستاذ أشرف سؤالًا مهمًا: هل يمكن اعتبار بلاك روك حكومة ظل تسيطر على الاقتصاد
العالمي؟ أم أنها مجرد جزء طبيعي من النظام المالي العالمي؟ يدعو الفيديو
المشاهدين إلى المشاركة بآرائهم حول هذا الموضوع المثير للجدل. بلا شك، بلاك روك
ليست مجرد شركة استثمارية، بل هي كيان اقتصادي عملاق له تأثير مباشر وغير مباشر
على الاقتصاد العالمي.