أصدر المعهد العربي للتخطيط، بالتعاون الوثيق مع معهد التخطيط القومي والجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، الإصدار الثامن من تقرير التنمية العربية لعام 2024، والذي يتمحور حول قضية حيوية ومصيرية لمنطقة الوطن العربي، وهي دور البيانات وتوافرها في دعم عملية التنمية في الدول العربية. يأتي هذا التقرير في سياق إقليمي وعالمي بالغ التعقيد، حيث تتسارع وتيرة التحولات الرقمية وتتزايد أهمية البيانات كأصول استراتيجية قادرة على تحويل مسار التنمية وتحقيق أهدافها المستدامة.

الهدف الرئيسي للتقرير

يهدف هذا التقرير الطموح إلى تسليط الضوء بشكل شامل ومتعمق على الدور المحوري والمتزايد الأهمية الذي تلعبه البيانات والإحصاءات في دعم وتعزيز عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول العربية. يسعى التقرير إلى تجاوز التحليل النظري، والانخراط في تقييم عملي لواقع المنظومات الإحصائية العربية، وتشخيص التحديات الجوهرية التي تعترض طريقها في توفير بيانات ذات جودة وموثوقية عالية، وهي البيانات التي تعتبر وقود عملية التنمية الشاملة والمستدامة في عصر الرقمنة المتسارع. كما يهدف التقرير إلى تقديم رؤى وتوصيات عملية وقابلة للتطبيق لصناع القرار في الدول العربية، من أجل تمكينهم من اتخاذ خطوات فعالة لتجسير فجوة البيانات، وتعزيز القدرات الإحصائية الوطنية، وتفعيل الاستخدام الأمثل للبيانات في دعم جهود التنمية المستدامة.

أهم القضايا والموضوعات التي تناولها التقرير:

  • الأهمية الاستراتيجية للبيانات والإحصاءات في عصر الرقمنة

يتعمق التقرير في تبيان الأهمية الاستراتيجية للبيانات والإحصاءات، ليس فقط كأدوات إحصائية تقليدية، بل كأصول رقمية حيوية في عصر الرقمنة. يؤكد التقرير على أن البيانات والإحصاءات تمثل شريان الحياة للاقتصاد الحديث، وعنصرًا أساسيًا في توطيد العلاقة بين البيانات والتنمية، لدرجة أن البعض بدأ يعتبرها عنصر إنتاج جديد أو ثروة توصف بأنها الذهب الأسود الجديد. يستعرض التقرير بالتفصيل الدور الحيوي الذي تقوم به البيانات والإحصاءات في تشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للدول العربية، وللمساهمة في وضع وتنفيذ السياسات والبرامج والمبادرات المناسبة لدعم عملية التنمية المستدامة في مختلف الأنشطة والمجالات. كما يوضح التقرير بالتفصيل كيف أن جودة السياسات والقرارات التنموية تتعزز باستنادها على المعرفة والأدلة العلمية والشواهد الإمبريقية والتجارب الناجحة، وأن صياغة السياسات بهذه المنهجية تتطلب توفر المعلومات، وخاصة البيانات الإحصائية التي تسمح بقياس الموقف التنموي بدقة وفي جميع المجالات، وتقييم واختبار البدائل، وبناء النماذج الكمية والسيناريوهات البديلة، والارتكاز عليها كأنظمة اتخاذ القرار التنموي.

  • تحليل معمق لفجوة البيانات في الدول العربية

يقدم التقرير تحليلًا معمقًا لوضع البيانات والمعلومات في الدول العربية المختلفة، ويكشف عن وجود فجوة بيانات معتبرة في المنطقة العربية، حيث تعاني المنطقة العربية، في المتوسط، من بعض أوجه القصور والتحديات في توفير البيانات والإحصاءات اللازمة لدعم جهود التنمية المستدامة. يتناول التقرير بالتفصيل أبعاد فجوة البيانات، ويحدد أسبابها الجذرية، وحجمها الحقيقي، وتأثيراتها السلبية على عملية التنمية. يشير التقرير إلى أن محدودية الموارد المالية والبشرية المؤهلة تؤثر بشكل كبير على جمع البيانات وتحليلها في البلدان العربية، مما يؤثر على اتساع وعمق وموثوقية المعلومات المتاحة. كما يوضح التقرير أن فجوة البيانات تتفاقم في بعض القطاعات الحيوية مثل البيانات المتعلقة بالفقر وتوزيع الدخل، حيث يندر توفر بيانات حديثة وشاملة في هذا المجال، مما يعيق جهود مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشير التقرير إلى أن نسبة عدم توفر البيانات في الدول العربية قد ارتفعت مجدداً ما بين 2018 و2022 إلى 68% نتيجة جائحة كوفيد-19، وكذلك لوجود فجوة نشر معتبرة.

  • تقييم شامل للقدرات الإحصائية العربية

يقدم التقرير تقييمًا شاملاً وموضوعيًا للقدرات الإحصائية العربية، مستندًا إلى أدوات تحليل وتقييم معتمدة دوليًا مثل مؤشرات البنك الدولي للقدرات الإحصائية، ومؤشر الأداء الإحصائي، ومؤشر جرد البيانات المفتوحة. يستعرض التقرير نتائج هذه المؤشرات بالتفصيل، ويظهر أن القدرة الإحصائية للدول العربية تواجه تحديات تعيق تطورها، بالإضافة إلى وجود فجوة بيانات معتبرة مما يعني أن تجسير فجوة البيانات أمر معقد خاصة مع قلة الموارد المالية والبشرية المؤهلة. كما يقوم التقرير بتقييم أداء الأنظمة الإحصائية العربية من خلال أدوات التحليل التي تقيم وترصد قياس القدرات الإحصائية الوطنية وتقييم جودتها باستخدام مؤشرات البنك الدولي للقدرات الإحصائية، ومؤشر الأداء الإحصائي، ومؤشر جرد البيانات المفتوحة.

  • حوكمة البيانات الحكومية: الخبرة الدولية والسياق العربي

يتناول التقرير بالتفصيل قضية حوكمة البيانات الحكومية، مع استعراض الخبرة الدولية وأفضل الممارسات في هذا المجال الحيوي. يستعرض التقرير الأطر الدولية لحوكمة البيانات الحكومية، ويحدد أهم المبادئ والمكونات الأساسية لحوكمة البيانات الفعالة. كما يقدم التقرير قائمة مرجعية لصانعي السياسات لتقييم أطر حوكمة البيانات في الدول العربية، ويقدم توصيات عملية لتعزيز وتطوير أطر حوكمة البيانات الحكومية في السياق العربي، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة. يؤكد التقرير على أن أطر حوكمة البيانات الحكومية تعتبر حجر الأساس في تعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة في استخدام البيانات، بالإضافة إلى ضمان الاستخدام الآمن والموثوق للبيانات، كما تعد هذه الأطر أحد الدعائم الأساسية لتحقيق الأهداف التنموية.

  • اقتصاد البيانات والتوجهات الحديثة في عصر الرقمنة: دروس من تجارب دولية

يستكشف التقرير بالتفصيل اقتصاد البيانات والتوجهات الحديثة في عصر الرقمنة، مع استعراض دروس مستفادة من تجارب دولية رائدة في هذا المجال. يتناول التقرير الحالة الراهنة لاستخدام البيانات في الحكومة في الدول العربية، ويحدد ركائز الممارسات الناجحة للبيانات في الحكومة، ويقيم قيمة البيانات في الإدارة الحكومية، ويستعرض الآثار الاقتصادية للإدارة الحكومية المعتمدة على البيانات. كما يتناول التحديات والاعتبارات التي تواجه استخدام البيانات في الحكومة، ويقدم الآفاق المستقبلية والتوصيات العملية لتطوير استخدام البيانات في القطاع العام. يؤكد التقرير على أن التحول نحو مجتمع قادر على استغلال البيانات لتحقيق مزيد من الرفاه الاجتماعي وتطوير الإدارة يمثل فرصة كبيرة للدول العربية، ولكنه يتطلب في الوقت نفسه معالجة التحديات والمخاطر التي تواجهها الدول النامية في هذا المجال.

  • قيود البيانات ومتطلبات بناء النماذج الاقتصادية

يتعمق التقرير في تحليل قيود البيانات التي تواجه عملية بناء النماذج الاقتصادية في الدول العربية، ويحدد متطلبات البيانات الإحصائية اللازمة لبناء نماذج اقتصادية قادرة على تقديم رؤى تحليلية قيمة لصناع القرار. يستعرض التقرير أنواع النماذج الاقتصادية القياسية وتطبيقاتها، ويحلل متطلبات البيانات لكل نوع من النماذج، ويقيم مستوى توافر البيانات اللازمة للنماذج الاقتصادية الكلية في الدول العربية. كما يوضح التقرير عواقب عدم توفر البيانات الكافية للنمذجة القياسية، ويقدم سياسات مقترحة للتغلب على هذه القيود. يختتم التقرير بتقديم خطوات استراتيجية لتطوير نموذج مرجعي في الدول العربية واستخدامه في تقييم السياسات الاقتصادية. يؤكد التقرير على أن توفير البيانات ذات الجودة العالية والأعداد الجيدة ضرورة ومتطلب أساسي من متطلبات بناء النماذج الاقتصادية القياسية الموثوقة، وأن جودة البيانات تزيد بشكل مباشر على دقة النتائج وموثوقيتها، مما يؤثر بدوره على جودة القرارات الاقتصادية والتنموية. يشدد التقرير على أن غياب البيانات المتكاملة والمحدثة يحد من قدرة الاقتصاديين والباحثين في الدول العربية على بناء نماذج اقتصادية دقيقة تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي للدول، وتؤدي إلى ضعف في تحليل السياسات وصياغة التوصيات المناسبة لدعم التنمية المستدامة. كما يقدم التقرير مقترحات عملية لتحسين جمع البيانات ومعالجتها، بهدف تمكين الباحثين وصناع القرار من استخدام النماذج الاقتصادية بشكل أكثر فاعلية وكفاءة.

  • البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي

الفرص والتحديات في السياق العربي: يناقش التقرير دور البيانات الضخمة (Big Data) والذكاء الاصطناعي (AI) في تعزيز عملية التنمية في الدول العربية، مع تسليط الضوء على الفرص الكبيرة التي توفرها هذه التقنيات، وكذلك التحديات المرتبطة بها. يستعرض التقرير أمثلة عالمية حول كيفية استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات الحكومية، وتعزيز كفاءة الاقتصاد، ودعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية. كما يتناول التقرير التحديات الخاصة بالخصوصية والأمان السيبراني، وتأثيرها على ثقة الجمهور في استخدام هذه التقنيات. يؤكد التقرير على ضرورة وضع سياسات وتشريعات تنظيمية واضحة لضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة العربية.

  • التوصيات والخطوات المستقبلية

يختتم التقرير بتقديم مجموعة شاملة من التوصيات العملية والقابلة للتنفيذ لتحسين نظام البيانات والإحصاءات في الدول العربية. تشمل هذه التوصيات زيادة الاستثمار في البنية التحتية الإحصائية، وتطوير الكفاءات البشرية المؤهلة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات والممارسات الناجحة. كما يدعو التقرير إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من البيانات الضخمة والتقنيات الحديثة، وإلى إنشاء أطر قانونية وتنظيمية لحماية البيانات وضمان استخدامها بطريقة شفافة ومسؤولة. يشدد التقرير على أهمية بناء ثقافة مجتمعية تقدر البيانات وتدرك أهميتها في تحقيق التنمية المستدامة، ويؤكد على ضرورة العمل المشترك بين جميع الأطراف المعنية لتحقيق هذا الهدف.

في المجمل،

يعتبر “تقرير التنمية العربية 2024” وثيقة هامة تسلط الضوء على الدور المحوري للبيانات والإحصاءات في دعم التنمية المستدامة في الدول العربية. يقدم التقرير رؤى عميقة وأفكارًا مبتكرة لمعالجة التحديات القائمة، ويضع خارطة طريق واضحة لتحقيق تحول رقمي مستدام يعزز من مكانة المنطقة العربية على الساحة العالمية.

يمكن الوصول للتقرير من خلال مكتبة المكتبة الرقمية للمعهد العربي للتخطيط اضغط هنا

من ابن خلدون

مدونة ابن خلدون لنشر المقالات الثقافة والاقتصادية والاجتماعية، وهي تقدم المختصر المفيد من الوثائقيات والبودكاست والبرامج المنشورة على الشبكة العنكبوتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page