يستعرض التحليل التالي الديناميكيات المعقدة للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مستلهماً رؤى من مقطع فيديو يدرس موقف الصين القوي، لا سيما في القطاع الصيدلاني الحيوي. يكشف الفحص الدقيق عن شبكة من الاعتماد المتبادل، والنفوذ الاستراتيجي، والمخاطر الكامنة التي تشكل هذا الصراع الجيوسياسي والاقتصادي.
https://www.youtube.com/watch?v=BzK2JJ7KZdQ
نفوذ الصين المتنامي في الصراع التجاري
خلافًا للافتراضات السابقة، لم تعد الولايات المتحدة تمتلك النفوذ المهيمن في علاقتها التجارية مع الصين. لقد قللت الصين بشكل استباقي من اعتمادها على السوق الأمريكية، حيث انخفضت نسبة صادراتها المتجهة إلى الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة (من حوالي 20% في 2018 إلى أقل من 13% حاليًا)، وأصبحت تمثل جزءًا صغيرًا نسبيًا (حوالي 2%) من ناتجها المحلي الإجمالي. وقد نجحت بكين في تنويع أسواقها وسلاسل توريدها، مما قلل من تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية. علاوة على ذلك، أظهرت الصين استعدادها للرد بالمثل على الإجراءات الأمريكية، رافضة ما تعتبره “بلطجة” اقتصادية ومؤكدةً على قوتها المتنامية في الساحة العالمية. يتجاوز هذا الصراع مجرد كونه نزاعًا تجاريًا؛ إنه يعكس تحولًا في ميزان القوى العالمي وتحديًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية التقليدية.
الاعتماد الأمريكي الحرج على المستحضرات الصيدلانية الصينية
تمثل الصناعة الدوائية ساحة رئيسية يتجلى فيها نفوذ الصين. تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين في الحصول على المكونات الصيدلانية الفعالة (APIs)، وهي المواد الأساسية اللازمة لتصنيع مجموعة واسعة من الأدوية الحيوية. حيث تشير التقديرات إلى أن الصين تسيطر على حصة كبيرة من إنتاج APIs العالمي (حوالي 20% حجمًا و40% من الصادرات العالمية)، وتصل هذه النسبة إلى مستويات حرجة تتجاوز 80-90% لبعض الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية (كالبنسلين والأموكسيسيلين والأزيثروميسين) وأدوية السكري (مثل الميتفورمين) ومسكنات الألم (مثل الإيبوبروفين والأسيتامينوفين). هذا الاعتماد الهائل، خاصة على الأدوية الجنيسة (Generics) التي تشكل الغالبية العظمى من الوصفات الطبية الأمريكية وتعتمد بشكل كبير على APIs الصينية، يخلق نقطة ضعف استراتيجية للولايات المتحدة. إن أي اضطراب في هذا الإمداد، سواء كان متعمدًا أو غير مقصود، يمكن أن يعرض الأمن الصحي الأمريكي للخطر. تفتقر الولايات المتحدة حاليًا إلى القدرة المحلية لإنتاج العديد من هذه المواد الأساسية، مما يزيد من حدة المشكلة.
أزمة الهيبارين عام 2008: دراسة حالة للمخاطر
تعتبر أزمة تلوث الهيبارين عام 2008 بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر المرتبطة بهذا الاعتماد. حيث تم اكتشاف أن شحنات من الهيبارين، وهو مضاد حيوي أساسي، مصدرها الصين ومصنعة بواسطة شركة باكستر إنترناشونال، كانت ملوثة بمادة مصنعة كيميائيًا تسمى “كبريتات الكوندرويتين مفرطة الكبريت” (OSCS). أدى هذا التلوث إلى مئات ردود الفعل السلبية الحادة (بما في ذلك صعوبة التنفس، والغثيان، والقيء، وانخفاض حاد في ضغط الدم) وما لا يقل عن 81 حالة وفاة مؤكدة في الولايات المتحدة وحدها (وتقارير أخرى تشير إلى أعداد أكبر عالميًا). كشفت الأزمة عن ثغرات خطيرة في الرقابة على سلسلة التوريد الدوائية العالمية ومعايير الجودة، خاصة للمنتجات القادمة من الخارج، وأدت إلى إصلاحات تنظيمية لاحقة. وعلى الرغم من هذه الحادثة المأساوية، استمر الاعتماد على مصادر الهيبارين الصينية بسبب نقص البدائل وتكاليف الإنتاج.
هيمنة الصين على سوق المكونات الصيدلانية الفعالة (APIs)
ترجع هيمنة الصين على سوق APIs إلى عدة عوامل، أبرزها الميزة التكلفية الكبيرة. يمكن للمصنعين الصينيين تقديم أسعار أقل بنسبة 35-40% مقارنة بالمنافسين الغربيين، مع الحفاظ غالبًا على معايير الجودة الدولية. وقد تم دعم هذا النمو بسياسات حكومية مواتية وإنشاء مناطق صناعية متخصصة. تصدر الصين الآن APIs إلى ما يقرب من 189 دولة، مما يجعلها لاعبًا لا غنى عنه في سلسلة التوريد الدوائية العالمية. هذه السيطرة تمنح الصين نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا.
التداعيات المحتملة لتقييد الصادرات الصينية
إن احتمال قيام الصين بتقييد صادرات APIs عمدًا كرد فعل في النزاع التجاري يمثل سيناريو مقلقًا للغاية للولايات المتحدة. يمكن أن يؤدي مثل هذا الإجراء إلى نقص حاد في الأدوية الأساسية في غضون أسابيع قليلة، مما يؤثر على علاج ملايين المرضى الذين يعانون من حالات مزمنة مثل السكري وأمراض القلب، بالإضافة إلى القدرة على مكافحة العدوى البكتيرية. قد تضطر المستشفيات إلى اللجوء لبدائل أقل فعالية وأكثر تكلفة، مما يزيد من معدلات الاعتلال والوفيات. كما أن شركات الأدوية الجنيسة، التي تعمل بهوامش ربح ضئيلة، ستتأثر بشدة بارتفاع التكاليف ونقص الإمدادات. بالإضافة إلى ذلك، تثير التقارير حول قضايا الجودة والامتثال في بعض المنشآت الصينية، وربط بعضها بالعمل القسري، مخاوف أخلاقية وتنظيمية إضافية. إن محاولات إعادة توطين إنتاج APIs إلى الولايات المتحدة تواجه تحديات هائلة تتعلق بالتكلفة (قد تصل تكلفة بناء منشأة جديدة إلى 2 مليار دولار) والوقت والبيئة التنظيمية.
في الختام، يكشف الاعتماد الأمريكي على الصين في مجال المستحضرات الصيدلانية عن نقطة ضعف استراتيجية كبيرة في سياق التوترات التجارية والجيوسياسية المتصاعدة. بينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز أمنها الصحي وتقليل هذا الاعتماد، فإن الحقائق الاقتصادية وتعقيدات سلاسل التوريد العالمية تجعل الحلول السريعة صعبة المنال، مما يترك البلدين في مواجهة معقدة ذات تداعيات بعيدة المدى على الصحة العالمية والاقتصاد.